كنا قد توقفنا في الجزء الأول عندما سألت صديقي المدمن عن الشعور الذي يشعر به عندما يتناول الحشيش، وقد قال أنه يشعر براحة غريبة وشعور بالانبساط وتفكير مغاير للتفكير العادي.
فقلت له أن يشرح لي أكثر كيف يكون التفكير مغاير للتفكير العادي، هل يصبح التفكير خيالياً مثلاً أم أنه يشعر بتغير في درجة التركيز أو هل يتذكر أكثر أم هل تأتي اليه أفكار إبداعية رائعة؟ وكانت إجابته كالتالي …
– قال ربما يكون تفكيري خيالياً أكثر عندما أكون بمفردي ولكن طالما معي اشخاص اخرين أحاول ان أبدوا طبيعياً لهم لكنني اشعر بتغير كبير في التركيز خصوصاً فيما يخص التواصل والعلاقات الإنسانية، أركز في كل كلمة وكل حركة جسد وكل ما وراء الكلمات والسلوكيات، أركز في هذه الأشياء بشكل مفرط واظن ان الآخرين كذلك ولكنني اعرف أن الأشخاص الطبيعيين ليسوا كذلك.
– ربما بسبب حذرك الشديد يكون تركيزك المفرط هذا في العلاقات الإنسانية، ربما لأنك تخشى أن يكتشفوا أمرك أو تخشى من أن يقولوا عنك أنك تهلوس أو أنك مسطول أو غير ذلك وإلا لماذا التركيز في العلاقات الإنسانية بالذات؟
– لا أعلم، ربما تكون محق فيما يتعلق بالحذر الشديد هذا.
– ماذا عن الأفكار الإبداعية هل تأتيك أفكار إبداعية تحل لك مشكلاتك وتسبب لك النجاح في عملك وفي حياتك.
– لا أبداً، فقد جربت أن أكتب الأفكار التي تأتيني وانا في حالة الخضر ولكني عندما افيق أجد انها أفكار تافهة وهلوسات، كما انني أفكر بطريقة أفضل في القضايا عندما أكون في حالتي الطبيعية، ليس الحشيش مصدراً للإبداع أو أي شكل من اشكال النجاح بل يسرق وقتي كله ويجعلني احلم وأتمنى دون أن انفذ أي شيء من احلامي تلك.
قال عبارته الأخيرة وهو يشعر بالأسى، وبدأت اذكره بالخسائر التي يسببها له ادمان الحشيش ويبدو انه تذكر شيئاً من أكبر خسائره، تذكر أحلامه ومشاريعه المؤجلة والتي يبدو انها مؤجلة منذ فترة طويلة.
– صحيح يا صديقي أصعب شيء فعلا هو ان تبتعد عن احلامك التي تتوق بشدة الي رؤيتها متحققة علي ارض الواقع تعبّر عنك وتثبت وجودك بشكل لائق أمام الآخرين فقد مررت بتجربة مماثلة من قبل، ويبدو ان الحشيش يجعلك تنسى همومك وتنسى أحلامك معها يا صديقي.
– نعم فهو كذلك، فبالنسبة للأحلام يجعلك تؤجلها مراراً وتكراراً، وبالنسبة للهموم فهو يجعلك تلقي بها وراء ظهرك ولكن بشكل مؤقت فقط.
– ما الذي تشعر به عندما تريد ان تتعاطى الحشيش ولكنك لا تجده؟
– حالة اشتياق نفسي غريبة جداً، احياناً اجعلني انزل في نصف الليل لأذهب الي الديلر في بيته عندما أجد تليفونه مغلق، وأحياناً أخرى تجعلني ألف المدينة باحثاً عن ديلر اخر عنما يكون ذلك مسافراً او مسجوناً.
– هل هي مثل حالة الاشتياق الي الحبيبة عندما تغيب؟
– شبيهة بهذه الحالة لكنها اشد منها كثيراً
– مثل هذه الحالة يا صديقي تجعلك تقدم التنازلات ان كان لابد من ذلك وتجعلك تخترع الحيل الماكرة من اجل الحصول على ذلك المخدر.
– تجعلك تفعل أي شيء بشرط ان يكون مقبولاً اجتماعياً ففي النهاية لن اقتل من اجل الحشيش ولن اسرق من اجله لكنني قد اتحايل فعلا من اجل الحصول علي الجرعة المعتادة، قد اتصل بأحد أصدقائي الذي اعلم ان معه حشيش واخترع له حواراً او موضوعاً ما لكي آخذ منه قطعة او اتعاطى معه، قد اجلس في جلسة لا احبها بسبب الحشيش وقد اصاحب اشخاص مشبوهين بسبب الحشيش، والكثير من الحيل الأخرى .. وهكذا يفعل كل المدمنين للحشيش.
– هل تنوي على الاستمرار في تعاطي الحشيش؟
………..
نستكمل في الجزء الثالث بإذن الله …
تم التحديث في 4 ديسمبر,2019 بواسطة موسوعة الإدمان